تفسير القرطبى
أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ سورة ال عمران
" أَمْ " بِمَعْنَى بَلْ . وَقِيلَ : الْمِيم زَائِدَة , وَالْمَعْنَى أَحَسِبْتُمْ يَا مَنْ اِنْهَزَمَ يَوْم أُحُد أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّة كَمَا دَخَلَ الَّذِينَ قُتِلُوا وَصَبَرُوا عَلَى أَلَم الْجِرَاح وَالْقَتْل مِنْ غَيْر أَنْ تَسْلُكُوا طَرِيقهمْ وَتَصْبِرُوا صَبْرهمْ لَا ; حَتَّى " يَعْلَم اللَّه الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ " أَيْ عِلْم شَهَادَة حَتَّى يَقَع عَلَيْهِ الْجَزَاء . وَالْمَعْنَى : وَلَمْ تُجَاهِدُوا فَيَعْلَم ذَلِكَ مِنْكُمْ ; فَلَمَّا بِمَعْنَى لَمْ . وَفَرَّقَ سِيبَوَيْهِ بَيْنَ " لَمْ " و " لَمَّا " فَزَعَمَ أَنَّ " لَمْ يَفْعَل " نَفْي فَعَلَ , وَأَنَّ : " لَمَّا يَفْعَل " . نَفْي قَدْ فَعَلَ . " وَيَعْلَم الصَّابِرِينَ " مَنْصُوب بِإِضْمَارِ أَنْ ; عَنْ الْخَلِيل . وَقَرَأَ الْحَسَن وَيَحْيَى بْن يَعْمَر " يَعْلَم الصَّابِرِينَ " بِالْجَزْمِ عَلَى النَّسَق . وَقُرِئَ بِالرَّفْعِ عَلَى الْقَطْع , أَيْ وَهُوَ يَعْلَم . وَرَوَى هَذِهِ الْقِرَاءَة عَبْد الْوَارِث عَنْ أَبِي عَمْرو . وَقَالَ الزَّجَّاج . الْوَاو هُنَا بِمَعْنَى حَتَّى , أَيْ وَلَمَّا يَعْلَم اللَّه الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ حَتَّى يَعْلَم صَبْرهمْ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا .
" أَمْ " بِمَعْنَى بَلْ . وَقِيلَ : الْمِيم زَائِدَة , وَالْمَعْنَى أَحَسِبْتُمْ يَا مَنْ اِنْهَزَمَ يَوْم أُحُد أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّة كَمَا دَخَلَ الَّذِينَ قُتِلُوا وَصَبَرُوا عَلَى أَلَم الْجِرَاح وَالْقَتْل مِنْ غَيْر أَنْ تَسْلُكُوا طَرِيقهمْ وَتَصْبِرُوا صَبْرهمْ لَا ; حَتَّى " يَعْلَم اللَّه الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ " أَيْ عِلْم شَهَادَة حَتَّى يَقَع عَلَيْهِ الْجَزَاء . وَالْمَعْنَى : وَلَمْ تُجَاهِدُوا فَيَعْلَم ذَلِكَ مِنْكُمْ ; فَلَمَّا بِمَعْنَى لَمْ . وَفَرَّقَ سِيبَوَيْهِ بَيْنَ " لَمْ " و " لَمَّا " فَزَعَمَ أَنَّ " لَمْ يَفْعَل " نَفْي فَعَلَ , وَأَنَّ : " لَمَّا يَفْعَل " . نَفْي قَدْ فَعَلَ . " وَيَعْلَم الصَّابِرِينَ " مَنْصُوب بِإِضْمَارِ أَنْ ; عَنْ الْخَلِيل . وَقَرَأَ الْحَسَن وَيَحْيَى بْن يَعْمَر " يَعْلَم الصَّابِرِينَ " بِالْجَزْمِ عَلَى النَّسَق . وَقُرِئَ بِالرَّفْعِ عَلَى الْقَطْع , أَيْ وَهُوَ يَعْلَم . وَرَوَى هَذِهِ الْقِرَاءَة عَبْد الْوَارِث عَنْ أَبِي عَمْرو . وَقَالَ الزَّجَّاج . الْوَاو هُنَا بِمَعْنَى حَتَّى , أَيْ وَلَمَّا يَعْلَم اللَّه الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ حَتَّى يَعْلَم صَبْرهمْ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا .
تفسير الطبرى
الْقَوْل فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى : { أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّة وَلَمَّا يَعْلَم اللَّه الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَم الصَّابِرِينَ } يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : أَمْ حَسِبْتُم
يَامَعْشَر أَصْحَاب مُحَمَّد , وَظَنَنْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّة , وَتَنَالُوا كَرَامَة رَبّكُمْ , وَشَرَف الْمَنَازِل عِنْده ; { وَلَمَّا يَعْلَم اللَّه الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ } يَقُول : وَلَمَّا يَتَبَيَّن لِعِبَادِي الْمُؤْمِنِينَ , الْمُجَاهِد مِنْكُمْ فِي سَبِيل اللَّه , عَلَى مَا أَمَرَهُ بِهِ . وَقَدْ بَيَّنْت مَعْنَى قَوْله : { وَلَمَّا يَعْلَم اللَّه } وَلِيَعْلَم اللَّه , وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ بِأَدِلَّتِهِ فِيمَا مَضَى بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَته وَقَوْله : { وَيَعْلَم الصَّابِرِينَ } يَعْنِي : الصَّابِرِينَ عِنْد الْبَأْس عَلَى مَا يَنَالهُمْ فِي ذَات اللَّه مِنْ جَرْح وَأَلَم وَمَكْرُوه . كَمَا : 6296 - حَدَّثَنَا اِبْن حُمَيْد , قَالَ : ثنا سَلَمَة , عَنْ اِبْن إِسْحَاق : { أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّة } وَتُصِيبُوا مِنْ ثَوَابِي الْكَرَامَة , وَلَمْ أَخْتَبِركُمْ بِالشِّدَّةِ , وَأَبْتَلِيكُمْ بِالْمَكَارِهِ , حَتَّى أَعْلَم صِدْق ذَلِكَ مِنْكُمْ الْإِيمَان بِي , وَالصَّبْر عَلَى مَا أَصَابَكُمْ فِيَّ . وَنَصْب { وَيَعْلَم الصَّابِرِينَ } عَلَى الصَّرْف , وَالصَّرْف أَنْ يَجْتَمِع فِعْلَانِ بِبَعْضِ حُرُوف النَّسَق , وَفِي أَوَّله مَا لَا يَحْسُن إِعَادَته مَعَ حَرْف النَّسَق , فَيُنْصَب الَّذِي بَعْد حَرْف الْعَطْف عَلَى الصَّرْف , لِأَنَّهُ مَصْرُوف عَنْ مَعْنَى الْأَوَّل , وَلَكِنْ يَكُون مَعَ جَحْد أَوْ اِسْتِفْهَام أَوْ نَهْي فِي أَوَّل الْكَلَام , وَذَلِكَ كَقَوْلِهِمْ : لَا يَسْعَنِي شَيْء وَيَضِيق عَنْك , لِأَنَّ " لَا " الَّتِي مَعَ " يَسَعنِي " لَا يَحْسُن إِعَادَتهَا مَعَ قَوْله : " وَيَضِيق عَنْك " , فَلِذَلِكَ نُصِبَ . وَالْقُرَّاء فِي هَذَا الْحَرْف عَلَى النَّصْب ; وَقَدْ رُوِيَ عَنْ الْحَسَن أَنَّهُ كَانَ يُقْرَأ : " وَيَعْلَم الصَّابِرِينَ " فَيُكْسَر الْمِيم مِنْ " يَعْلَم " , لِأَنَّهُ كَانَ يَنْوِي جَزْمهَا عَلَى الْعَطْف بِهِ عَلَى قَوْله : { وَلَمَّا يَعْلَم اللَّه }